لبنان / صحفيون عرب من اجل المناخ – كتبت هلا ناصر الدين لموقع درج اللبناني – في ظلّ القلق العالمي المتزايد من ارتفاع درجات الحرارة، وما ينتج منه من ظواهر جوية متطرفة مثل الأعاصير وموجات الحر والفيضانات، أصبحت قضية الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية من أبرز القضايا التي تُناقش في المؤتمرات الدولية. كان الحفاظ على معدل ارتفاع درجات الحرارة أقل من 1.5 درجة مئوية أحد الشعارات الرئيسية لقمة المناخ كوب 29 التي عُقدت هذا العام في العاصمة الأذربيجانية، باكو.
على الرغم من أن متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية لا يزال أقل من 1.5 درجة مئوية، فإن تغير المناخ يضرب المجتمعات بشدة في جميع أنحاء العالم، بخاصة الأكثر فقراً وضعفاً. ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً. تشير التقديرات الحديثة إلى أن العالم يتجه نحو ارتفاع في درجات الحرارة يتراوح بين 2.6 و3.1 درجة مئوية خلال هذا القرن، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وطموحة لتخفيف الانبعاثات.
ما سبق أكده تقرير “فجوة التكيف” Adapatation Gap Report، الذي يدرس الفارق بين التكيف الذي يتم تنفيذه فعلياً والهدف المجتمعي المحدد، والذي يتحدد بشكل كبير من خلال التفضيلات المتعلقة بالتأثيرات المقبولة لتغير المناخ، ويعكس القيود المفروضة على الموارد والأولويات المتنافسة.
يشير التقرير إلى أن التقدم في تمويل التكيف ليس سريعاً بما يكفي لسد الفجوة الهائلة بين الاحتياجات والتدفقات المالية، ما يؤدي إلى استمرار التأخر في جهود التخطيط والتنفيذ للتكيف.
ارتفعت التدفقات المالية الدولية العامة للتكيف إلى الدول النامية من 22 مليار دولار أميركي في عام 2021 إلى 28 مليار دولار أميركي في عام 2022، وهي أكبر زيادة مطلقة ونسبية على أساس سنوي منذ اتفاق باريس. يعكس هذا، التقدم نحو ميثاق غلاسكو للمناخ، الذي دعا الدول المتقدمة إلى مضاعفة تمويل التكيف على الأقل للدول النامية من 19 مليار دولار (مستويات عام 2019) بحلول عام 2025. ومع ذلك، فإن تحقيق هدف ميثاق غلاسكو للمناخ سيقلل فقط فجوة تمويل التكيف، التي تُقدر بـ 187-359 مليار دولار سنوياً، بنسبة نحو 5 في المئة.
شهد عام 2023 زيادة في الانبعاثات بنسبة 1.3 في المئة، بحيث أنتج العالم معدّل 57 جيجا طن من الانبعاثات، وهو “أمر غير مقبول على الإطلاق” وفق ما قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، إنغر أندرسن، في إحدى جلسات الكوب. وأضافت: “لقد اتفقنا في باريس على أن نبقى دون مستوى 1.5 درجة مئوية. رؤية الأرقام ترتفع في عام 2023 لا يمكن أن تكون مقبولة”.
وأشارت أندرسن إلى أنه “إذا أردنا البقاء دون درجتين مئويتين، وأؤكد لكم أننا نريد ذلك بشدة لأننا نعيش بالفعل مع تأثيرات مروعة… يجب علينا زيادة التخفيضات بنسبة 28 في المئة بين اليوم وعام 2030. إنه جهد هائل. حالياً، سياساتنا الحالية المتأخرة تأخذنا إلى ارتفاع قدره 3.1 درجة مئوية بحلول عام 2100. نحن في نقطة حرجة الآن. إذا لم نتخذ إجراءً الآن، فإن المستقبل مكتوب بالفعل”.
هاجمت أندرسن الدول العشرين G20، أي الدول المتقدّمة التي يجب عليها الالتزام بدفع الأموال لمواجهة التغير المناخي، بسبب مسؤوليتها التاريخية عن الانبعاثات وما آلت أليه الأوضاع اليوم: “أود أن أذكركم بأن الدول العشرين مسؤولة عن 77 في المئة من جميع الانبعاثات… وبالتالي، فإن هذه الدول العشرين لديها مهمة إضافية للقيام والالتزام بها. وأولئك الذين لديهم أطول سجل تاريخي من الانبعاثات، ونحن جميعاً نعرف من هم، لديهم أعلى التزام”.
لا بدّ هنا من التذكير بأنّ مجموعة الـ 77 والصين، التي تمثل حوالى 80 في المئة من سكان العالم وتضمّ الدول النامية، طالبت الدول المتقدمة بتوفير ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار سنوياً لدعم التخفيف والتكيف ومعالجة الخسائر والأضرار الناتجة من تغير المناخ. إلّا أنّ الدول المتقدمة لم توافق على أكثر من 300 مليار دولار سنوياً فقط بحلول عام 2035، وذلك بعدما كان التمويل المناخي سابقاً 100 مليار دولار أميركي متّفقاً عليها منذ قمة كوبنهاغن للمناخ عام 2009، ما وصفه عدد من المنظمات غير الحكومية العالمية بـ “مخطط بونزي عالمي” أو “احتيال مناخي”.
دائمًا ما ينشغل معظم متابعي الكوب بثلاثة صناديق أساسية، وهي: صندوق التكيّف، صندوق التخفيف، صندوق الخسائر والأضرار.
ما هو صندوق التكيّف أو الـ Adaptation؟
تأسّس هذا الصندوق عام 2001 في إطار بروتوكول كيوتو لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ويهدف إلى تعزيز قدرة الدول النامية على التكيف مع التأثيرات الحتمية لتغير المناخ، وذلك عبر تمويل مشاريع وبرامج التكيّف في البلدان الأكثر عرضة وتضرّراً من تأثيرات تغيّر المناخ، تحديداً من الدول النامية. تشمل هذه المشاريع والبرامج مشاريع تحسين إدارة المياه وتطوير البنى التحتية، وحماية النظم البيئية والأمن الغذائي وغيرها.
ما هو التخفيف أو الـ Mitigation؟
صندوق التخفيف ليس مصطلحاً شائعاً مثل “صندوق التكيف”، ولكنه يشير بشكل عام إلى الجهود والآليات والتمويل الذي يهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة للحدّ من تفاقم الأزمة المناخية.
تشمل هذه الجهود تحسين استخدام الطاقة وترشيده، والحدّ من استخدام الوقود الأحفوري، وزيادة استخدام الطاقة المتجددة.
طُرحت قضية التخفيف رسمياً كقضية سياسية خلال المؤتمر العالمي الأول للمناخ في عام 1979. ومنذ ذلك وقت، تحتل هذه القضية مساحات كبيرة من النقاش حول التغيّر المناخي. تناول بروتوكول كيوتو الذي اعتُمد عام 1997 واتفاقية باريس عام 2015، قضية التخفيف والحدّ من الانبعاثات وضرورة توفير التمويل اللازم لتبني الممارسات المستدامة.
ما هو صندوق الخسائر والأضرار؟
هو صندوق جديد تم الاتفاق عليه في عام 2022 خلال مؤتمر كوب 27 في شرم الشيخ بمصر، لتعويض الخسائر والأضرار التي لحقت بالدول النامية نتيجة لتغيّر المناخ.
بينما تسعى جهات إلى اعتباره جزءاً من التكيّف، تصرّ منظّمات المجتمع المدني على اعتباره صندوقاً منفصلاً. مثلًا، تطالب ورقة موقف المجتمع المدني العربي الصادرة عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، باعتبار الخسائر والأضرار ركيزة ثالثة مستقلة للعمل المناخي (إلى جانب التخفيف والتكيف)، وليست مجرد فرع من التكيف.
على صعيد النطاق، يغطي صندوق التكيف التحضير والتدابير الاستباقية ويركز على التأثيرات المستقبلية، بينما يتعامل صندوق الخسائر والأضرار مع التعويض والاستعادة والتأثيرات المباشرة جرّاء الفيضانات وغيرها من كوارث التغير المناخي.
باعتبار أنّ هذا الكوب كان كوب التمويل، كان من المتوقّع أن يتم توفير التمويل للصناديق الثلاثة بشكل واضح وكافٍ، إلّا أنّ صندوق الخسائر والأضرار لم يُذكر في البيان الختامي للقمة. للأسف، خسر العالم في هذا الكوب فرصة توفير التمويل المناسب لمواجهة أزمة التغيّر المناخي.
أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.