فلسطين صحفيون عرب من اجل المناح -تقرير يارا منصور – في قرية فقوعة الواقعة شرق جنين، حيث تعانق الأرض السماء وتحتضن الجبال أرواح الصامدين، يحكي لنا المزارع مؤيد عباس قصة ارتباطه العميق بالأرض التي ورثها عن والده، بعد سنوات من التهجير والتعب والعودة. أرضه أصبحت جزءًا من كيانه، وملاذًا لحلمه الذي زرعه بالصبر، حرفيًا ومجازيًا. يقول مؤيد عباس أن الصبر يعني له كل شيء فحياتنا كلها بدها صبر، والوقت بده صبر”. هذه العبارة لم تكن مجرد حكمة يتداولها، بل كانت نهج حياة على أرض تعاني من شح المياه، وزراعة بعلية غير مجدية، ما دفعه إلى اختيار نبتة الصبر، تلك التي تتحمل قسوة المناخ وتقلباته ، وقلة وفرة مياه الري حالها حال صمود أصحاب الحق والأرض وصمودهم لسنوات طويلة .
فكرة زراعة نبات الصبر جاءت نتيجة معاناة طويلة وتجارب زراعية غير ناجحة. فزرع “الصبر الهجين”، وأطلق مشروعًا صغيرًا يحاول من خلاله أن يستفيد من نبتة تتحمل مثلما يتحمل هو. ثم ما لبث أن طور مزرعته، فزرع نوعًا جديدًا بلون الفراولة، بنكهة الصبر المعروف، لكنه مختلف لأنه بلون الفراولة. ويضيف أنه زرع صنفا جديدا آخر لم يُنتج بعد ، إن شاء الله في المستقبل نرى إنتاجه”.
يضعنا مؤيد عباس أمام التحديات والعقبات والصعوبات التي يواجهها في مزرعة الصبر التي يمتلكها وأما مشروعه ويقول أنه كما الأرض لا تسلم من الجفاف، لم يسلم المشروع من التحديات. فقد تفاجأ المزارع بانتشار الحشرة القرمزية، التي تهاجم نبتة الصبر وتنهكها، ما جعله يدخل في مرحلة جديدة من البحث والتجريب لمحاولة إنقاذ مزرعته.
أما عن رحلة التسويق فتقاطعت حرب الأبادة بقطاع غزة مع حرب اقتصادية يعيشها الموزارع والمواطن الفلسطيني بعد سلسلة من الإجراءات العقابية والاغلاقات للمناطق الفسطينية ما تسبب في أزمة وظروف اقتصادية ومعيشية صعبة يعيشها المواطن الفلسطيني ، ما فاقم من معاناة مزارعي الصبر، ويؤكد مؤيد عباس أن: “السنين الماضية كان سوق الصبر ممتاز، خاصة مع تسويقه داخل أراضي 48، لكن اليوم الوضع اختلف”. تراجع الطلب، وانهارت الأسعار، وتراجع الإنتاج بسبب قلة الأمطار والتغيرات المناخية، ناهيك عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن الفلسطيني، والتي جعلت من هذه الفاكهة البسيطة ترفًا لا يقدر عليه كثيرون.
يتحدث بحرقة عن الماضي حين كانت هناك شركة تجمع الصبر وتصدره إلى الأردن وسوريا والكويت، لكنها اليوم اختفت، ولم يبقَ سوى الاعتماد على الجهد الفردي والمزارع الصغيرة التي تحاول البقاء.
وورغم كل شيء، لا يزال المزارع متشبثًا بالأمل، كما تتشبث نبتة الصبر بجذورها في أرض فقوعة، ويختم حديثه بالقول: “فاكهة الصبر عم بتتلاشى، بسبب المرض والتوسع العمراني، لكن إحنا مستمرين… الصبر نبتة تتحمل، كما الشعب الفلسطيني … الصبر عنواننا .
تم انتاج هذه القصة ضمن برنامج قريب الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية CFI بالشراكة وتمويل الوكالة الفرنسية للتعاون الدولي AFD.